أبو عبيدة بن الجراح.. أمين الأمة

أبو عبيدة بن الجراح.. أمين الأمة

هو عامر بن عبد الله الجرّاح، أحد العشرة المبشرين بالجنّة، قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): "لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجرّاح"، فلماذا لُقب أبو عبيدة بهذا اللقب العظيم؟
أسلم أبو عبيدة على يد أبي بكر الصّديق مع عدد من الصحابة قبل أن يدخل رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) دار الأرقم ووضع يده في يد رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، مبايعاً على أن ينفق نفسه وحياته وكل ما يملك في سبيل الله وقد كان أميناً على ذلك فلم تكن الدنيا بكل ما فيها تشغل تفكيره واهتمامه بل كان يجد سعادته في شظف العيش وخشونته والتضحية والجهاد في سبيل الله، عندما زاره سيدنا عُمر بن الخطاب في بيته بالشام لم يجد في بيت أبي عبيدة سوى سيف معلق على الحائط ودرع وقدر من الماء مغطى برغيف.. هذا هو بيت أمين هذه الأمة !!! فسأله عُمر لماذا لم تتخذ ما يتخذه الناس؟ فأجابه: " ألا يبلغنا المقيل؟ هو للدنيا وعلى الدنيا كثير"!!!
يا الله.. ما أروعك يا سيدي وما أعجزنا عن بلوغ سموك عن حقارة هذه الدنيا، ماذا نفعل كي نتشبه بك؟ هل تكفي هذه الدموع التي تنساب من عيوننا ونحن نقرأ عنك؟! هل يقبلها الله تعالى كفارةً عن تقصيرنا؟
أرسله رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في غزوة الخبط أميراً على ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المقاتلين وليس معهم زاد سوى جراب تمر، والمهمة صعبة، والسفر بعيد، استقبل أبو عبيدة واجبه في تفانٍ وإخلاص، وراح هو وجنوده يقطعون الأرض، وزاد كل واحد منهم تمرة في اليوم، يمصها ويشرب عليها الماء، حتى إذا فرغ التمر جميعا راحوا يسحقون الخبط، أي ورق الشجر ويشربون عليه الماء، لقد مضوا لا يبالون بجوع ولا حرمان، ولا يعنيهم إلا أن ينجزوا المهمة الكبيرة والأمانة التي حُمّلوها، وكثير منا يتعلل بقلة الأسباب لتحقيق مهمة معينة ويضع العراقيل أمامه حتى قبل أن يبدأ !!
وفي معركة بدر الكبرى كان أبوه الكافر يتصدى له وهو يحاول أن يبتعد عنه ولكن عندما رأى أنه لا بد من المواجهة كان حُب الله وحُب رسوله أعظم عند أبي عبيدة حتى من نفسه وأبيه والناس جميعاً فتقدم وقتل أباه وفيه نزل قول الله تعالى:
{لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.
وفي غزوة أُحد أدرك أبو عبيدة أن المشركين كان أكبر همهم اغتيال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فترّس نفسه مدافعاً عنه وكان إذا ابتعد عنه ليقاتل مجموعة قادمة لا تغيب عيناه عن النبيّ وبينما هو كذلك حتى رأى الدم يسيل من رسول الله وقد دخلت حلقتا المغفر في وجهه الشريف فهب كالريح المرسلة وإذ بأبي بكر يسبقه فيقسم عليه أن يتركها له فانتزعها أبو عبيدة بأسنانه فسقطت ثناياه مع الحلقات وأصبح ما في الدنيا ثغر جميل مثله، كيف لا وقد سقطت من أجل الحبيب محمد (صلّى الله عليه وسلّم) فكافأه الله بهذا الجمال عندما يبتسم.
وكما كان أميناً على بيعته في حياة النبيّ كان أمينا أيضاً بعد وفاته واستمر يقاتل تحت راية الإسلام كل طواغيت الأرض جندياً وقائداً متواضعاً رغم عظمته، فعندما أرسل عُمر كتاب عزل خالد وتوليته مكانه، أخفى الكتاب عن خالد حتى انتهى من معركة اليرموك منتصراً على الرومان، فقال له خالد: " يرحمك الله يا أبا عبيدة: ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب؟"
فأجابه أمين الأمة:" إني كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، كلنا في الله إخوة".
وبينما هو في الأردن اجتاح البلاد طاعون عمواس فأرسل إليه عُمر بكتاب يطلبه لمهمة فور تسلمه الكتاب ولكن أبا عبيدة فهم أن عُمر يخشى عليه من الموت فأبى أن يتميز عن باقي الجند وكتب لأمير المؤمنين معتذراً ومستأذناً ببقائه ليستشهد مع جنوده. ومات فوق الأرض التي طهرها من وثنية الفرس واضطهاد الروم وبكى عليه الجميع وبكى عليه عُمر بحرقة وقال: " لو كنت مُتَمَنِّياً ما تمَنَّيْتُ إلا بيْتاً مملوءاً بِرِجالٍ مثل أبي عُبَيْدة".

ورضي عنه وارضا

باركالله فيك الاميروجزاك خيرا

واياكم بنت الوادي

وبارك الله فيكي

جزاك الله كل خير

والف شكر على الطرح